كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان البيت يطلق على المرأة لملازمتها له عادة أعاد الضمير عليه مرادًا به النساء استخدامًا فقال تعالى: {وإذا سألتموهن} أي: الأزواج {متاعًا} أي: شيئًا من آلات البيت {فاسألوهن} أي: ذلك المتاع كائنين وكائنات {من وراء حجاب} أي: ستر يستركم عنهن ويسترهن عنكم، وقرأ ابن كثير والكسائي بفتح السين ولا همزة بعدها والباقون بسكون السين وهمزة مفتوحة بعدها {ذلكم} أي: الأمر العالي الرتبة {أطهر لقلوبكم وقلوبهن} أي: من وسواس الشيطان والريب لأن العين وزيرة القلب فإذا لم تر العين لم يشته القلب، فأما إذا رأت العين فقد يشتهي القلب وقد لا يشتهي، فالقلب عند عدم الرؤية أطهر وعدم الفتنة حينئذ أظهر. روى ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح فكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول للنبي صلى الله عليه وسلم احجب نساءك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر ألا قد عرفناك يا سودة حرصًا على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله عز وجل الحجاب، وعن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاثة قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} وقلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله تعالى آية الحجاب، قال: وبلغني ما آذين رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه قال: فدخلت عليهن فجعلت أستقررهن واحدة واحدة فقلت والله لتنتهن أو ليبدله الله تعالى أزواجًا خيرًا منكن، حتى أتيت على زينب فقالت: يا عمر أما كان في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت قال: فخرجت فأنزل الله تعالى: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن} الآية.
ولما بين تعالى للمؤمنين الأدب أكده بما يحملهم على ملاطفة نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {وما كان} أي: وما صح وما استقام {لكم} في حال من الأحوال {أن تؤذوا رسول الله} فله إليكم من الإحسان ما يستوجب به منكم غاية الإكرام والإجلال فضلًا عن الكف عن الأذى فلا تؤذوه بالدخول إلى شيء من بيوته بغير إذنه أو المكث بعد فراغ الحاجة ولا بغير ذلك.
ولما كان قد قصر صلى الله عليه وسلم عليهن أحل له غيرهن وقصرهن الله عليه بقوله تعالى: {ولا أن تنكحوا} أي: فيما يستقبل من الزمان {أزواجه من بعده} أي: فراقه بموت أو طلاق سواء أدخل بها أم لا {أبدًا} زيادة لشرفه وإظهارًا لمزيته، ولأنهن أمهات المؤمنين ولأنهن أزواجه في الجنة، ولأن المرأة في الجنة مع آخر أزواجها كما قاله ابن القشيري، روي أن هذه الآية نزلت في رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: لئن قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنكحن عائشة قال مقاتل بن سليمان: هو طلحة بن عبيد الله فأخبر الله تعالى أن ذلك محرم، وقال: {إن ذلكم} أي: الإيذاء بالنكاح وغيره {كان عند الله} أي: القادر على كل شيء {عظيمًا} أي: ذنبًا عظيمًا.
فإن قيل: روى معمر عن الزهري أن العالية بنت ظبيان التي طلقها النبي صلى الله عليه وسلم تزوجت رجلًا وولدت له. أجيب: بأن ذلك كان قبل تحريم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على الناس وقيل: لا تحرم غير الموطوءة لما روي أن أشعث بن قيس تزوج المستعيذة في أيام عمر فهم برجمهما، فأخبر بأنه صلى الله عليه وسلم فارقها قبل أن يمسها فترك من غير نكير، فأما إماؤه صلى الله عليه وسلم فيحرم منهن الموطوءات على غيره إكرامًا له بخلاف غير الموطوءات وقيل: لا تحرم الموطوءات أيضًا.
ونزل فيمن أضمر نكاح عائشة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن تبدوا} أي: بألسنتكم وغيرها {شيئًا} أي: من ذلك أو غيره {أو تخفوه} في صدوركم {فإن الله} أي: الذي له جميع صفات الكمال {كان} أي: أزلًا وأبدًا به هكذا كان الأصل، ولكنه أتى بما يعمه وغيره فقال: {بكل شيء} أي: من ذلك وغيره {عليمًا} فهو يعلم ما أسررتم وما أعلنتم وإن بالغتم في كتمه فيجازي عليه من ثواب وعقاب، وفي هذا التعميم مع البرهان على المقصود مزيد تهويل ومبالغة في الوعيد.
ولما نزلت آية الحجاب قال: الآباء والأبناء والأقارب ونحن أيضًا نكلمهن من وراء حجاب فنزل قوله تعالى: {لا جناح} أي: لا إثم {عليهن في آبائهن} دخولًا وخلوة من غير حجاب سواء كان الأب من النسب أو من الرضاع {ولا أبنائهن} أي: من البطن أو الرضاعة {ولا إخوانهن} لأن عارهنّ عارهم فلا فرق أن يكونوا من النسب أو الرضاع {ولا أبناء إخوانهن} فإنهن بمنزلة آبائهم {ولا أبناء أخواتهن} فإنهن بمنزلة أمهاتهم وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بإبدال الهمزة الثانية ياء خالصة في الوصل وحققها الباقون وفي الابتداء بالثانية الجميع بالتحقيق {ولا نسائهن} أي: المسلمات القربى منهن والبعدى بمنزلة واحدة، وأما الكافرات فهن بمنزلة الأجانب من الرجال لكن رجح النووي أنه يجوز أن تنظر منها ما يبدو عند المهنة {ولا ما ملكت أيمانهن} من العبيد لأنهم لما لهنّ عليهم من السلطان يبعد منهم الريبة هيبة لهن مع مشقة الاحتجاب عنهم.
تنبيه:
قدم تعالى الآباء؛ لأن اطلاعهم على بناتهم أكثر وكيف وهم قد رأوا جميع بدن البنات في حال صغرهن، ثم الأبناء ثم الإخوة وذلك ظاهر، وإنما الكلام في بني الإخوة حيث قدّمهم الله تعالى على بني الأخوات، لأن بني الأخوات آباؤهم ليسوا بمحارم خالات أبنائهم وبني الإخوة آباؤهم محارم، ففي بني الأخوات مفسدة ما، وهي أن الابن ربما يحكي خالته عند أبيه وهو ليس بمحرم ولا كذلك في بني الإخوة.
فإن قيل: لم يذكر الله تعالى من المحارم الأعمام والأخوال فلم يقل: ولا أعمامهن ولا أخوالهن. أجيب عن ذلك بوجهين: أحدهما: أن ذلك معلوم من بني الإخوة وبني الأخوات؛ لأن من علم أن بني الأخ للعمات محارم علم أن بنات الأخ للأعمام محارم، وكذلك الحال في أمر الخالة. وثانيهما: أن الأعمام ربما يذكرون بنات الأخ عند أبنائهم وهم غير محارم، وكذلك الحال في ابن الخال.
وذكر ملك اليمين بعد هذا كله لأن المفسدة في التكشف لهم ظاهرة وقوله تعالى: {واتقين} عطف على محذوف أي: امتثلن ما أمرتن به واتقين {الله} أي: الذي لا شيء أعظم منه فلا تقربن شيئًا مما يكرهه وإنما أمرهن لأن الريبة من جهة النساء أكثر لأنه لا يكاد الرجل يتعرض إلا لمن ظن بها الإجابة لما يرى من مخايلها ومخايل أشكالها.
ولما كان الخوف لا يعظم إلا ممن كان حاضرًا مطلعًا قال: {إن الله} أي: العظيم الشأن {كان} أي: أزلًا وأبدًا {على كل شيء} من أفعالكن وغيرها {شهيدًا} أي: لا يغيب عنه شيء وإن دق فهو مطلع عليكن حال الخلوة فلا تخفى عليه خافية.
ولما أمر تعالى بالاستئذان وعدم النظر إلى نسائه احترامًا له كمل بيان حرمته بقوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} أي: محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس: أراد أن الله تعالى يرحم النبي والملائكة يدعون له، وعن ابن عباس أيضًا: يصلون يبركون والصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة الاستغفار وقال أبو العالية: صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء.
تنبيه:
بيان كمال حرمته في ذلك أن حالاته منحصرة في حالتين حالة خلوة فذكر ما يدل على احترامه في تلك الحالة بقوله تعالى: {لا تدخلوا بيوت النبي} وحالة تكون في ملأ، والملأ إما الملأ الأعلى، وإما الملأ الأدنى أما احترامه في الملأ الأعلى، فإن الله وملائكته يصلون عليه، وأما احترامه في الملأ الأدنى فقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه} أي: ادعو له بالرحمة {وسلموا تسليمًا} أي: حيوه بتحية الإسلام وأظهروا شرفه بكل ما تصل قدرتكم إليه من حسن متابعته وكثرة الثناء الحسن عليه والانقياد لأمره في كل ما يأمر به، ومنه الصلاة والسلام عليه بألسنتكم.
روى عبد الرحمن بن أبي ليلى لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: بلى فأهدها لي قال: قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» وروى أبو حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» وروى ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة»، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرًا» وروى عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جاء ذات يوم والبشرى ترى في وجهه فقلنا: إنا لنرى البشرى في وجهك فقال: «جاءني جبريل فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول أما يرضيك أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرًا، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرًا» وروى عامر بن ربيعة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة ما صلى علي، فليقلل العبد من ذلك أو ليكثر»، وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات» وروى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام».
تنبيه:
دلت الآية على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأن الأمر للوجوب قالوا: وقد أجمع العلماء أنها لا تجب في غير الصلاة فتعين وجوبها فيها والمناسب لها من الصلاة التشهد آخرها فتجب في التشهد آخر الصلاة أي: بعده وهو مذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد فالقائل بوجوبها في العمر مرة في غيرها محجوج بإجماع من قبله، ولحديث كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا فقال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إلى آخره» وقيل: تجب كلما ذكر، واختاره الطحاوي من الحنفية والحليمي من الشافعية لقول جابر: إن النبي صلى الله عليه وسلم رقى المنبر فلما رقى الدرجة الأولى قال: «آمين، ثم رقى الثانية فقال: آمين ثم رقى الثالثة فقال: آمين فقالوا: يا رسول الله سمعناك تقول: آمين ثلاث مرات فقال: لما رقيت الدرجة الأولى جاءني جبريل فقال: شقي عبد أدرك رمضان فانسلخ منه ولم يغفر له فقلت: آمين، ثم قال: شقي عبد أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة فقلت: آمين، ثم قال: شقي عبد ذكرت عنده ولم يصل عليك فقلت: آمين»، وفي رواية رقي المنبر فقال: «آمين آمين آمين قيل: يا رسول الله ما كنت تصنع هذا فقال: قال لي جبريل: رغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما لم يدخلاه الجنة فقلت: آمين، ثم قال رغم أنف عبد دخل عليه رمضان لم يغفر له فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت: آمين»، وكذلك قوله: {وسلموا} أمر فيجب السلام ولم يجب في غير الصلاة فيجب فيها وهو قولنا في التشهد سلام عليك أيها النبي إلخ، وذكر في السلام المصدر للتأكيد ولم يذكره في الصلاة لأنها كانت مؤكدة بقوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} وأقل الصلاة عليه اللهم صل على محمد، وأكملها اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وآل إبراهيم إسماعيل وإسحاق وأولادهما.
فائدة:
كل الأنبياء من بعد إبراهيم عليه السلام من ولده إسحاق إلا نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم فإنه من نسل إسماعيل، ولم يكن من نسله نبي غيره وخص إبراهيم عليه السلام بالذكر لأن الرحمة والبركة لم يجتمعا لنبي غيره فقال الله تعالى: {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت} فإن قيل: إذا صلى الله وملائكته عليه فأي حاجة به إلى صلاتنا؟
أجيب: بأن الصلاة عليه ليست لحاجة إليها وإلا فلا حاجة إلى صلاة الملائكة مع صلاة الله تعالى عليه وإنما هو إظهاره وتعظيمه منا شفقة علينا ليثيبنا عليه، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرًا»، وفي رواية أخرى: وملائكته سبعين، وتجوز الصلاة على غيره تبعًا له وتكره استقلالًا لأنه في العرف صار شعارًا لذكر الرسل ولذلك كره أن يقال لمحمد عز وجل، وإن كان عزيزًا جليلًا.
ولما أمر الله تعالى باحترام نبيه محمد صلى الله عليه وسلم نهى عن إيذاء نفسه وإيذاء رسوله بقوله تعالى: {إن الذين يؤذون الله} أي: الذي لا أعظم منه ولا نعمة عندهم إلا من فضله {ورسوله} أي: الذي استحق عليهم بما يخبرهم به عن الله تعالى ما لا يقدرون على القيام بشكره {لعنهم الله} أي: أبعدهم وأبغضهم {في الدنيا} بالحمل على ما يوجب السخط {والآخرة} بإدخال دار الإهانة كما قال تعالى: {وأعد لهم عذابًا مهينًا} أي: ذا إهانة، وهو النار ومعنى يؤذون الله يقولون فيه ما صورته أذى وإن كان تعالى لا يلحقه ضرر، ذلك، حيث وصفوه بما لا يليق بجلاله من اتخاذ الأنداد ونسبة الولد والزوجة إليه.
قال ابن عباس: هم اليهود والنصارى والمشركون، فأما اليهود فقالوا: عزير ابن الله، وقالوا: يد الله مغلولة وقالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء، وأما النصارى فقالوا: المسيح ابن الله وثالث ثلاثة، وأما المشركون فقالوا: الملائكة بنات الله، والأصنام شركاؤه، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل: «كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدًا وأنا الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد»، وعن أبي هريرة أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: «يؤذيني ابن آدم بسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار» معنى الحديث: أنه كان من عادة العرب في الجاهلية أن يسبوا الدهر ويذموه عند النوازل لاعتقادهم أن الذي يصيبهم من أفعال الدهر فقال تعالى: أنا الدهر أي: الذي أحل بهم النوازل وأنا فاعل لذلك الذي تنسبونه للدهر في زعمكم وقيل: معنى يؤذون الله يلحدون في أسمائه وصفاته وقيل: هم أصحاب التصاوير، وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فيخلقوا ذرة وليخلقوا حبة أو شعيرة»، ويحتمل أن يكون ذلك على حذف مضاف أي: أولياء الله كقوله تعالى: {واسأل القرية} (يوسف: 82) قال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: «من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب» وقال: «من أهان لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة» ومعنى الأذى: هو مخالفة أمر الله وارتكاب معاصيه ذكره على ما يتعارفه الناس بينهم، والله عز وجل منزه عن أن يلحقه أذى من أحد قال بعضهم: أتي بالجلالة تعظيمًا والمراد: يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى: {إنما يبايعون الله} وأما إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس: إنه شج في وجهه، وكسرت رباعيته وقيل: ساحر شاعر مجنون.
ولما كان من أعظم أذاه أذى من تابعه، وكان الأتباع لكونهم غير معصومين يتصور أن يؤذوا على الحق قال تعالى مقيدًا للكلام:
{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات} أي: الراسخين في صفة الإيمان {بغير ما اكتسبوا} أي: بغير شيء واقعوه متعمدين له حتى أباح أذاهم {فقد احتملوا} أي: كلفوا أنفسهم أن حملوا {بهتانًا} أي: كذبًا وفجورًا زائدًا على الحد موجبًا للجزاء في الدنيا والآخرة {وإثمًا مبينًا} أي: ذنبًا ظاهرًا جدًا موجبًا للعقاب في الآخرة.